Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الثاني: 1
ابراهيم ومخاوف الحياة


«بِالإيمان إبراهيم لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إلى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إلى أَيْنَ يَأتي» (عبرانيين 11 : 8).

خرج إبراهيم من أور الكلدانيين بالإيمان واثقاً في دعوته ومتكلاً على إلهه.  فقد كان متاكداً من أن خروجه من بلاده وهجرته إلى أرض كنعان يتفق مع فكر الرب وخطته لحياته، حيث  ظهر له الرب وهو في بلاده، ودعاه للهجرة بصورة واضحة.

«ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لابينَا إبراهيم وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ  وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أرضك وَمِنْ عَشِيرَتِكَ، وَهَلُمَّ إلى الأرض الَّتِي أُرِيكَ» (اعمال 7 : 2، 3).

سار إبراهيم في رحلته بالإيمان وأتى أولاً إلى شكيم وبنى هناك مذبحاً للرب ليقدم شكره وحمده ويعلن إيمانه بالرب.  ثم انتقل إلى بيت إيل حيث نصب خيمته وبنى هناك أيضاً مذبحاً للرب إلهه. 
ولكنه بعد بيت إيل ابتدأ يرتحل ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب.  ولا نستطيع أن نرى  مبرراً لهذا الارتحال.  ولكن يبدو أنه كان استحسان من إبراهيم وليس بحسب فكر الرب.  وأثناء هذا الارتحال المتوالي نحو الجنوب،  حدث جوع في الأرض وكان هذا الجوع شديداً فقرر إبراهيم أن ينزل إلى مصر.

وفي طريق نزوله إلى مصر شعر بالخوف لأول مرة في رحلة الإيمان.  وحاول أن يتخلص من مخاوفه بطريقة بشرية.  فبدلاً من أن يصلي للرب طالباً منه المشورة والمعونة والخلاص من هذا الخوف جعل سارة تقول أنها أخته لكي لا يقتله المصريون ويستبقونها.

ونتيجة للخوف عانى رجل الله إبراهيم من تجربة مريرة صعبة كلفته الكثير في رحلة الهجرة.  وللأسف لم يسقط رجل الله إبراهيم في تجربة الخوف في هذا الموقف فقط ولكنه فعلها مرة ثانية عندما جاء إلى جرار أيضاً وقال عن سارة إنها أخته. «وَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ، وَتَغَرَّبَ فِي جَرَارَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ امْرَأَتِهِ: "هِيَ أُخْتِي"»  (تكوين 20: 1).

مخاوف الحياة وأنواعها
أولاً:  المخاوف الشخصية
بعض المخاوف ربما قد تسربت إلى قلب إبراهيم وهو على ظهر الجمل، أثناء نزوله إلى مصر.  وربما أخذت تراوده بعض الأفكار والأسئلة مثل:  كيف ساعيش، وماذا سأعمل، واين سأسكن، وهل سيكون هناك أيضاً مجاعة في مصر أم الوضع سيكون أفضل.  كيف سأتعامل مع المصرين، وأنا لا أعرف لغتهم وطباعهم. وكيف اطمئن على المستقبل وأنا عمري قارب على الثمانين  وهل سأجد مكاناً للزراعة ومراعي للغنم؟

ثانياً:  المخاوف الأسرية
وقد تكون بعض الاسئلة قد جالت في ذهن إبراهيم مثل: هل استطيع أن احمي نفسي وزوجتي هناك، وأنا ضعيف وغريب.  هل يقتلونني  أو يأخذون سارة مني!  وإذا أعطاني الرب نسلاً كما وعد، هل سأستطيع أربيهم في مخافة الرب، واحميهم من شرور العالم في مصر.

ثالثاً: المخاوف الروحية
ربما تكون بعض هذه المخاوف قد تسربت إلى قلب إبراهيم أثناء نزوله إلى مصر؛  هل استطيع أن أحافظ على مبادئي الروحية وعلاقة الصداقة مع الهي، وهل استطيع أن ابني مذبح له وسط شر مصر والمصريين؟!
وعندما تمكنت من إبراهيم كل هذه المخاوف السابقة ابتدأ يضعف إيمانه ويسلك بالعيان.  وأخذ يفكر بطريقة بشرية للخلاص من هذه المخاوف، فقرر أن يجعل سارة تقول أنها أخته ليحمي نفسه.

الشئ الذي يجعل قلوبنا تفيض بالشكر والحمد للرب والسجود أمام الرب ، أننا من خلال هذه العائلة التي عاشتت منذ أكثر من أربعة ألاف عام، حيث هاجر إبراهيم عام 2091 قبل الميلاد تقريباً، نستطيع أن نستخلص دروساً عملية مفيدة لنا نحن الآن.  فهذا هو كلام الله الصالح لكل إنسان في كل مكان وكل زمان. كما سنتأمل أيضاً في كيفية علاج الرب العظيم لكل هذه المخاوف وطريق الأنتصار عليها.

مجدي صموئيل