Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الرابع: 3
الغرور واضراره  (2)

ثانياً:  إحتقار الآخرين 
«لَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا»
لم تتكبر هاجر فقط وتنتفخ في نفسها، بل لقد صغرت سارة مولاتها في عينيها، واحتقرتها.  أو ربما شعرت أن ساره أقل منها شأناً.  إن سارة لم تتغير ولكن هاجر هي التي تغيرت. 
فقد تغيرت ظروفها، فتغيرت عينيها وقلبها ونظرتها للآخرين، فصارت تحتقر من لا يملك ما تملك وتفتخر عليه.

مع أن سارة هي سبب البركة في حياتها ولولا سارة ما كان لها كل هذا النجاح.  وبدون سارة ما كان لها أن تصير زوجة لإبراهيم فهي التي أعطتها لإبراهيم زوجة.  ولكن هاجر لم تحفظ هذا الجميل لسارة بل احتقرتها.

وهذا ما يحدث معنا أحياناً عندما يعطينا الرب ونكبر، فيصغر الآخرون في عيوننا.  فهناك من كان يحب امرأته واختارها بارادته، وكانت جميلة وغالية في عينيه، ولكن بعد أن أعطاه الرب ونجح في حياته وأصبح لديه دخل كبير ووظيفة محترمة، بينما زوجته لم تحقق شيئا من هذا، تصغر زوجته  في عينيه، ولا يعود يعجب بها أو يحترمها كالماضي.  مع أنها قد ضحت كثيراً لأجله، لكي ينجح في دراسته أو في عمله، أو لكي ترعى الابناء.

وعلى الجانب الآخر عندما تجد الزوجة نفسها وقد صارت في عمل أفضل من زوجها.  أو تجد نفسها قد نجحت وتغلبت على تحديات الحياة، وأصبحت تعتمد على نفسها ولها دخلها الكبيرالمستقل عن زوجها وسيارتها الخاصة، تتغير نظرتها لزوجها.  فقد كانت قبلاً تحب زوجها وتحترمه وتعجب بارائه وأفكاره وتفتخر به وتعتبره رب البيت ورأس العائلة، ولكن بسبب خمر النجاح وسكر الأنتصار؛ تجد زوجها قد صغر في عينيها ولم يعد يملأ عينيها، فتعامله بدون محبة أو إحترام.  بل قد تنظر إلى شخص آخر وتعجب به وتتعلق به عاطفياً.  وقد يصل الأمر أن تطلب الأنفصال أو الطلاق.

والابناء أيضاً قد يتسرب إليهم نفس الشعور.  ففي سنواتهم الأولى، كانوا يحبون والديهم ويحترمونهم ويحترمون ارائهم ويطيعونهم،  ولكن عندما يتغير الحال ويتعلموا أفضل من والديهم، وربما يعملوا ولديهم دخل اعلى من والديهم، وقد يكتسبوا ثقافة أكثر من والديهم؛ يصغر والديهم في اعينهم.  وقد لايعطوهم نفس القدر من الاحترام والطاعة كما كانوا في الماضي.

وهذا ما قد يحدث أيضاً في نظرتنا لعائلاتنا واقاربنا.  لقد كنا قبلاً نحب أن نراهم ونشتاق أن نسمع أخبارهم، ولكن مع مرور الوقت وعندما يعطينا الرب ويغنينا ونشرب نخب النجاح والأنتصار، نجد أن نظرة عيوننا قد تغيرت من نحوهم.  بل في الحقيقة قلوبنا هي التي تغيرت.  وأصبحنا ننظر إليهم بمزيج من الشفقة والإحتقار، فلا نتعامل مع عائلاتنا كما كنا من قبل، لقد تغيرت نظرتنا إليهم.  بل قد يصل الأمر إلى التعالى عليهم، وعدم الاكتراث بزيارتهم أو معرفة أخبارهم.

وقد يصل الأمر معنا إلى الأمور الروحية أيضاً.  فقد كنا قبلاً نحب الرب ونحب كلمته.  كما كنا نسرع إلى الاجتماعات ونواظب عليها ونشتاق إلى المؤتمرات الروحية ونحضرها.  وقد كنا نحب خدمة الرب ونلتزم بها.  بل كنا نقوم بأبسط الخدمات التي تطلب منا بكل الحب والفرح.  وكانت الأمور الروحية جذابة ومهمة في حياتنا.  ولكن بعد النجاح الكبير، نجد أن الأمور الروحية  قد صغرت في اعيننا وأصبحت وكأنها مضيعة للوقت ولا تستحق أن نضيع فيها وقتاً أو جهداً.  فلقد تغيرت قلوبننا وعيوننا.

ما أعظم داود عندما احتقرته زوجته في قلبها لأنه بعد النجاح والمُلك أخذ يطفر ويرقص أمام الرب ويسبح الرب، وكأنها تقول أن هذا كان من الممكن أن تفعله عندما كنت راعياً فقيراً أو جندياً محارباً بسيطاً، ولكنك الأن في مركز عظيم بل إنك ملك اسرائيل، ولكن كان رد داود عليها: 
«إِنَّمَا أمام الرَّبِّ الَّذِي اخْتَارَنِي دُونَ ابيكِ ... وَدُونَ كُلَّ بَيْتِهِ وَإِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي»  (2 صموئيل: 6: 21، 22). 

أخي القارئ،
إن المؤمن الحقيقي عندما يعطيه الرب، يزداد تواضعاً في عيني ذاته،  ووداعة في تعامله مع الآخرين،  فلا ينتفخ في ذاته ولا يحتقر الآخرين.
ليعطنا الرب أن نتعلم منه روح التواضع والوداعة كما أوصانا.  «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ»  (متى 11: 29).

مجدي صموئيل