Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الرابع: 6
الغرور واسبابه

ما هي العوامل والاسباب التي جعلت هاجر تصاب بالغرور والكبرياء، فتفقد كل النجاحات التي حققتها والامتيازات التي تمتعت بها؟!
من خلال تأملنا في حياة هاجر نستطيع أن نستخلص بعض هذه الاسباب، والتي يمكن أن نتعرض لها نحن أيضاً.

أولاً:  كثرة النجاحات
لقد تعددت نجاحات هاجر، فنجحت في عملها كجارية حتى صارت وصيفة لسارة، وفي مجال الأسرة، قد تزوجت من إبراهيم هذا الرجل العظيم والأمين. الذي تتمناه كل امرأة زوجاً لها. فقد قال الكتاب:  «أَمَّا الرَّجُلُ الأَمِينُ فَمَنْ يَجِدُهُ؟»  (امثال 20: 6).  وحتى على جانب الأمومة لم يحرمها الرب، بل أنجبت ابناً لإبراهيم ووريثاً لكل غناه. 
عندما ننجح في مجالات كثيرة ونصل إلى مستويات مرتفعة من النجاح في مجال العمل والأسرة وأحياناً الخدمة ويرتفع رصيدنا مهنياً ومادياً؛ نشعر بالفخر ثم بالكبرياء.
 
لقد حذرنا الكتاب عدة مرات من هذا الأمر قائلاً: 
«هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بأنهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أنا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأرض، لأني بِهذِهِ أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ» (ارميا 9: 23، 24).

لذلك أخي القارئ، عندما يعطيك الرب وتنجح في حياتك، وتحقق نجاحات متعددة في مجالات كثيرة، تعَلم أن ترجع كل الفضل للرب وتفتخر بالرب الذي صنع معك هذا.

«مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ» (1كورنثوس 1: 31). 
تذكر أنك كلما تنجح اكثر، إنك في إحتياج أن تصلى أكثر، ليحفظ الرب قلبك وفكرك متضعين. فأنت أمام تحدي أكبر، أن تظل متضعاً بالرغم من كثرة نجاحاتك.  وثق أنك كلما تتضع أكثر كلما يحقق لك الرب نجاحاً اكبر في حياتك الروحية والزمنية.

ثانياً:  سرعة النجاح
أحياناً النجاح السريع في خلال وقت قصير أو سنوات قليلة، يعطينا شعوراً بالفخر والغرور.  مثل هاجر التي تحولت من جارية إلى زوجة إبراهيم، وتحمل في احشائها ولي العهد في خلال سنوات قلائل، فلم تستطع أن تتحمل سرعة النجاح فزلت قدماها في دائرة الغرور والكبرياء.

لذلك أحياناً يسمح الرب لأحبائه بالنجاح البطئ أو بالنجاح على مراحل متباعدة، حتى لا تزل اقدامهم ويقعوا في فخ الغرور.  فقد يتعامل الرب معنا ويضيق علينا، لكي ننموا روحياً، وتنضج شخصياتنا، قبل أن يعطينا النجاحات، حتى لا تضرنا عطاياه.

لذلك قد يتأنى علينا الرب في بعض عطاياه، حتى يعدنا ويجهزنا لاستقبال هذة العطايا.  كما يقول الكتاب:  «اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إلى الْغِنَى لاَ يُبْرَأُ» (امثال 28: 20). 

وأيضاً من جهة الأمور الروحية يحذرنا الرب قائلاً:  «لاَ تَضَعْ يَدًا عَلَى أَحَدٍ بِالْعَجَلَةِ» (1 تيموثاوس 5: 22).  كما يقول بولس لتيموثاوس عن اختيار الأسقف «غَيْرَ حَدِيثِ الإيمان لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إبليس» (1 تيموثاوس 3: 6). 

أخي القارئ،
إن كنت قد حققت نجاحات سريعة في حياتك، وأعطاك الرب بركات كثيرة في فترة قليلة، فاحذر من التصلف والغرور.  وأطلب من الرب أن يحمي قلبك من الأرتفاع ورجلك من الزلل في فخ الغرور.

ثالثاً:  طبيعة الأنسان
ليس كل من يعطيه الرب وينجح سريعاً ويحقق نجاحات كثيرة أو يكرمه الرب، يصاب بهذا المرض.  بل على العكس هناك كثيرين أعطاهم الرب واغناهم فازدادوا إتضاعاً.  ولكن هناك من بسبب طبيعته الجسدية الشريرة، يرتفع قلبه ويتكبر عندما ينجح.  مثل هاجر، التي تنطبق عليها هذه الآية:
«تَحْتَ ثَلاَثَةٍ تَضْطَرِبُ الأرض، وَأَرْبَعَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ احْتِمَالَهَا: تَحْتَ عَبْدٍ إِذَا مَلَكَ، وَأَحْمَقَ إِذَا شَبعَ خُبْزًا، تَحْتَ شَنِيعَةٍ إِذَا تَزَوَّجَتْ، وَأَمَةٍ إِذَا وَرَثَتْ سَيِّدَتَهَا» (امثال 30: 21).  فقد كانت هاجر أمة وتزوجت زوج سيدتها.

فالأمر يتعلق بقلب الأنسان.  فعندما أكرم الرب يوسف وشهد  الجميع بحكمته، حتى الملك نفسه شهد عنه قائلاً: «لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ» (تكوين 41: 39)، لم يفتخر يوسف بهذا ولم يرتفع قلبه، بل أرجع كل الفضل للرب.  إذ قال يوسف عن كل ما أعطاه الرب من حكمة «لَيْسَ لِي. اَللهُ يُجِيبُ بِسَلاَمَةٍ فِرْعَوْنَ»  (تكوين 41: 16).

أيضاً بولس الذي كان لديه الكثير من الإمتيازات التي يمكن أن يفتخر بها، لكنه أبى أن يفتخر بما لديه وأفتخر فقط بالرب وعمله على الصليب لأجله.  إذ قال «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (غلاطية 6: 14).

عندما أخذ الرب داود من وراء المربض ومن وراء الغنم وجعله ملكاً على اسرائيل، لم يرتفع قلبه ولم تستعل عينيه، بل قال: «إِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي» (2 صموئيل 6:  22).  ففي كل نجاحاته كان ينسب الفضل للرب. 

أخي القارئ،
 دعنا نصلي إلى الرب، ليحمينا من نفوسنا ومن خداع قلوبنا الذي قال عنه الكتاب:
«اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟  أنا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى» (ارميا 17: 9، 10).
وليعطنا الرب أن نتعلم منه فهو الوحيد الوديع والمتواضع القلب الذي طلب منا أن نتعلم منه فنجد راحة لنفوسنا.  «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ»  (متى 11: 29).

أن الراحة الروحية والنفسية تنبع من اتضاع القلبوسعادتك وراحتك لن تزيد بزيادة دخلك أو تحسن وضعك، ولكن باتضاع قلبك.

مجدي صموئيل