Magdy Samuel

تأملات من "كتاب ممن أخاف"

الباب الأول: 1

مصادر الخوف

في مزمور 27 يعاني داود من ثلاثة مصادر للخوف، وهي:
1- يوم الشر، فيقول: «لأنه يخبئني في مظلّته في يوم الشر».
2- اقتراب الأشرار، فيقول: «عندما اقترب إليّ الأشرار ليأكلوا لحمي».
3- قيام الحرب ونزول الجيش ”حرب الشرير“، فيقول «إن نزل عليّ جيش...  إن قامت عليَّ حرب».
وهذه المصادر الثلاثة للخوف: يوم الشر، واقتراب الأشرار، وحرب الشرير، يؤكِّدها ويوضّحها الرب في موعظته على الجبل (متى7)، عندما تكلم عن الرجل العاقل الذي بنى بيته على الصخر والرجل الجاهل الذي بنى بيته على الرمل، لقد أوضح أن البيتين تعرّضا لثلاثة مصادر للخوف والتهديد:
1- نزول المطر، وهو إشارة إلى غضب الله.
2- مجيء الأنهار، وهو إشارة إلى اضطراب العالم.
3- هبوب الرياح، وهو إشارة إلى حرب الشيطان.

 

الخوف الأول:

غضب الله
”نزول المطر“


«لأن غضب الله مُعلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم» (رومية1: 18).
«ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة» (رومية2: 5).
المطر في الكتاب المقدس يشير إلى دينونة الله وغضبه بسبب شر الإنسان.  مثلما حدث في أيام نوح، فلقد رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر، فحمى غضبه، وقال: إن نهاية كل بشر قد أتت أمامي.  ثم انفتحت طاقات السماء وانفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وأغرقت مياه المطر والطوفان كل بشر.  وكذلك حينما جاء غضب الله على سدوم وعمورة بسبب شرهما وفسادهما، يقول الكتاب «فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء» (تكوين19: 24).  من هنا نرى أنه في الحالتين أتت دينونة الله على صورة مطر: مطر الماء في أيام نوح، ومطر النار في أيام لوط. وفي مزمور 27 يقول المرنم «لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر»؛ والمظلة تحمي الإنسان من المطر الساقط من أعلى. 
هذا هو الخوف الأول: غضب السماء ودينونة الله.
فعندما نرى ازدياد الشر من حولنا: من تمرد على الله وابتعاد عنه، وإباحة الجنس والشذوذ والإجهاض والطلاق، وانهيار الأسرة، وانتشار المخدرات والعنف والإرهاب، وتجارب الاستنساخ، وغيرها من الشرور؛ نجد أن عالم اليوم ليس أقل شرًّا من أيام نوح، ولا من أيام سدوم وعمورة.  لهذا فإن الإنسان المتأمل لواقعه يشعر بالخوف والقلق مما ينتظر هذا العالم، لأن هذه الشرور هي ضد الله وناموسه، وتجلب غضب الله ودينونته.  فيقول الكتاب «لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية» (أفسس5: 6). 

 

لطف الله وغضب الله
«أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟  ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة» (رومية2: 4، 5).  يوضح الكتاب هنا أن لطف الله مع الإنسان غرضه الأساسي قيادته للتوبة، ولكن قساوة الإنسان وقلبه غير التائب؛ تجعله يجمع ويخزّن لنفسه غضبًا عند الله إلى يوم الغضب واستعلان الدينونة.  وكأنّ شرّ الإنسان من فكر وقول وعمل، أبخرة تتصاعد وتتجمع وتتكاثف كسحب وغيوم في السماء، إلى اليوم المعيَّن للغضب، الذي تتساقط فيه أمطار وسيول الدينونة. 
وقد أعلن المسيح أن الحروب وأخبار الحروب والمجاعات والأوبئة والزلازل ما هي إلا مبتدأ الأوجاع (أي بدايات الغضب الإلهي).  ولكن بعدها «يكون حينئذٍ ضيقٌ عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون» (متى24: 21).
وقد أشار الرب إلى الدينونة القادمة بقوله «وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضًا مجيء ابن الإنسان» (متى24: 37).  هذا ما حدث قديمًا عندما أغرقت مياه الدينونة كل بشر في أيام نوح.  وعندما رمّد الله مدينتي سدوم وعمورة بإحراقهما.  وعندما سمح الله باستئصال الأموريين عندما كمل شرهم.  وهذا ما سيحدث قريبًا عندما يكمل شر هذا العالم وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها، ويأتي يوم الغضب واستعلان الدينونة.
وعندما تفكر بعمق في المخاوف الرئيسية للإنسان، مثل الخوف من الأمراض والموت والكوارث والمستقبل والمجهول وما بعد الموت، تجده في الحقيقة هو خوف الإنسان من الله نتيجة ابتعاده وانفصاله عنه.  وهو خوف عميق دفين في باطن الإنسان لأنه «جعل الأبدية في قلبهم» (جامعة3: 11).  وهو إما الخوف من عقاب الله له في حياته، أو انتظار لقاء الله والدينونة في مماته، لأنه مكتوب «مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي» (عبرانيين10: 31).
فعندما خاف قايين، بعدما قتل أخاه، وقال: كل من وجدني يقتلني، لم يكن هناك أحد يسعى لقتله.  ولكن عذاب الضمير ورعب الدينونة جعلاه يسير خائفًا وتائهًا وهاربًا.  لأن «الشرير يهرب ولا طارد» (أمثال28: 1). 


لقد قال أحدهم: من يخاف الله لا يخاف شيئـًا، لأن رأس الحكمة مخافة الرب.  ولكن ما أبعد الفارق بين أن تخاف الله (أي تحبه وتقدّره وتهابه) وبين أن تخاف من الله (أي تنفصل عنه وتهرب منه).  فالخوف من الله يرعب الإنسان، ولكن خوف الله يملأ قلبه سلامًا ويقينًا.

مجدي صموئيل