Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الخامس: 7
الإغراءات واسبابها (2)

ثالثاً:  محبة العالم
عندما نتابع قصة إختلاط لوط في العالم نجد أنه قد بدأ صغيراً، ثم أخذ يتعمق  تدريجياً حتى وصل إلى انغماس تام في العالم.  ويمكننا أن نرى هذا التسلسل من خلال الأجزاء الكتابية التالية:

• «فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ، قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأرض مِصْرَ» (تكوين 13: 10).

• «فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ» (تكوين 13: 11)

• «نَقَلَ خِيَامَهُ إلى سَدُومَ» (تكوين 13: 12)

• «وَأَخَذُوا لُوطاً ابنَ أخي ابرَامَ وَأَمْلاَكَهُ وَمَضَوْا، إِذْ كَانَ سَاكِنًا فِي سَدُومَ» (تكوين 14: 12).

• «وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَاب سَدُومَ» (تكوين 19: 1).

عندما قرر لوط الأنفصال عن إبراهيم والاتجاه نحو سدوم، كان كل ما يريده هو أن ينصب خيامه نحو سدوم أو مقابل سدوم وليس داخل سدوم.  فقط كان يريد أن يكون بجوار سدوم حتى يتمتع بمدنية وحضارة سدوم.  كما أنه لم يكن ينوي أن يبني بيتاً بل كان فكره أنه سيظل في خيمة، ويعيش غريب كعمه إبراهيم، وسيبني مذبح الشركة مع الرب والشهادة للرب. 

ولكن مع مرور الوقت ابتدأ يختلط مع أهل سدوم وبعدها زوج بناته من أهل سدوم وصاهرهم.  وترك الخيمة وسكن في بيت داخل سدوم.  وحتى بعد السبي رجع مرة آخرى ليسكن في سدوم.

وعندما جاء الملاكان إليه كان جالساً في باب سدوم.  وكانت العادة في تلك الأيام أن من يجلس في باب المدينة هم أعيان البلد أو قضاة المدينة.  فقد صار لوط من أهل سدوم. 

وهذا ما قد يحدث مع المؤمن تدريجياً.  إذ تبدأ علاقته بالرب وشعب الرب تقل تدريجياً حتى تضمحل تماماً.  وعلى الجانب الآخر تزداد علاقته تعمقاً مع العالم، حتى تصل إلى الأنغماس التام في العالم والحياة العالمية ويغرق في إغراءات الحياة.

ففي بداية حياتنا الروحية كانت لنا علاقة قوية مع الرب وكنا نواظب على خلوتنا وطعامنا الروحي.  وكان لنا شركة قوية مع المؤمنين.  كما كانت لنا خدمتنا التي نحرص عليها.  ولكن مع الوقت بدأنا نعجب بالحياة العالمية، ونحب هذه الحياة ونعيشها، ومن هنا تبدأ السقطات. 

لقد حذرنا الرب قائلاً: 
«أَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ:"إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ"» (2 كورنثوس 6: 14 – 17).

أخي القارئ احذر،
فإن طريق الألف ميل في البعد عن الله يبدأ بخطوة، وقد تكون صغيرة.  احذر من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم.  واحذر من الشركة مع العالم والأنحدار المتوالي والسقوط التدريجي في محبة العالم. 

ربما كان هناك دور لامرأة لوط وبناته في هذا الأمر.  فقد سئموا من حياة الخيمة والبرية مع إبراهيم.  فإبراهيم لا تتوافر لديه وسائل الترفيه، فكل ما كان يشغل إبراهيم هو الشركة مع الرب والحديث معه وتقديم الذبائح إلى إلهه.  لذلك طلبن الخروج من هذا الوضع الممل بالنسبة لهم. 

فأحياناً ننغمس في العالم تحت ضغوط احتياجاتنا أو احتياجات ابناءنا.  الرب لا يمنعنا من التعامل مع العالم والنجاح فيه، كما نجح دانيال ونحميا ويوسف، لكن الرب يريدنا أن لا نحب مبادئ العالم وشهوات العالم، التي هي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة.
قال المسيح:  «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ» (يوحنا 17: 15).  ليس المطلوب منا أن نخرج من هذا العالم أو ننعزل تماماً عنه. 

فالكتاب يقول:  «لاَ تُخَالِطُوا الزُّنَاةَ. وَلَيْسَ مُطْلَقًا زُنَاةَ هذَا الْعَالَمِ، أَوِ الطَّمَّاعِينَ، أَوِ الْخَاطِفِينَ، أَوْ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَإِلاَّ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الْعَالَمِ!» (1كورنثوس 5: 9، 10). 

أخي القارئ،
 أننا لا نستطيع أن نعتزل تماماً عن العالم، لكننا نستطيع أن نجعل العالم لا يعيش في قلوبنا.  نعيش في العالم ولا يعيش العالم داخلنا.  دعنا نرفع قلوبنا إلى الرب دائماً ليحفظ نفوسنا وبيوتنا من محبة العالم.  وليملأ قلوبنا بمحبته التي تطرد محبة العالم من قلوبنا، فتجعلنا نغلب العالم.

رابعاً:  العلاقة السطحية مع الرب
«لُوطٌ السَّائِرُ مَعَ ابرَامَ» (تكوين 13: 5).

 خرج لوط من أور الكلدانين مع عمه إبراهيم، وسار معه من مكان إلى مكان لكنه في الحقيقة لم تكن له علاقة شخصية قوية مع إلهه أو إله عمه إبراهيم.  فالكتاب يقول أن لوط السائر مع ابرام وليس مع إلهه أو مع إله ابرام.  ولم يذكر عنه الكتاب أنه خليل الله ولم يدون له الكتاب أنه بنى مذبحاً للرب. 

وهكذا نرى بعض المؤمنين لهم علاقة بالمؤمنين بالرب ولكن ليس لهم علاقة برب المؤمنين.  أو لهم علاقة بكنيسة الرب وليس لهم علاقة برب الكنيسة، أو لهم علاقة بخادم للرب وليس لهم علاقة برب هذا الخادم.  وهكذا عندما يتعرضون للإغراءات والشهوات حالاً يعثرون ويسقطون. 

لذلك عزيزي القارئ،
 لتكن علاقتك شخصية بالرب، ودائمة ومستمرة وعميقة معه، فيحفظك من كل إغراءات الحياة.

مجدي صموئيل