Magdy Samuel

تأملات من "كتاب ممن أخاف"

الباب الأول: 3

الخوف الثاني: اضطراب العالم
”مجيء الأنهار“


«أما الأشرار فكالبحر المضطرب لأنه لا يستطيع أن يهدأ، وتقذف مياهه حمأة وطينا.  ليس سلام قال إلهي للأشرار» (إشعياء57: 20، 21).
«رفعت الأنهار يا رب رفعت الأنهار صوتها.  ترفع الأنهار عجيجها.  من أصوات مياه كثيرة ، من غمار أمواج البحر الرب في العلي أقدر» (مزمور93: 3 ،4).

 

الأنهار إشارة إلى الاضطرابات العالمية والبشرية.  فعالم اليوم يتميز بالتغيرات والتقلبات والتحولات في كل المجالات:
1- سياسيًا: حروب وأخبار حروب، انقلابات وتغيّر للحكومات، الإرهاب وصراع الحضارات.  فالعالم اليوم أصبح أقل أمنًا عن ما قبل.  وقد تندهش عندما تعرف أنه خلال تاريخ البشرية المدَّون نُقِضَت 8000 معاهدة سلام، ولم يكن هناك سوى 286 عامًا بدون الحروب وسفك الدماء، «لأنه ليس سلام قال إلهي للأشرار» (إشعياء57: 21).
2- إقتصاديًا: كساد وركود، غلاء وتضخم، تذبذب لأسعار الأسهم والعملات، انتشار الفقر والمجاعات.  فعالم اليوم يضم أكبر عدد من الفقراء والجياع في تاريخ البشرية!
3- تكنولوجيًا: ثورة المعلومات وتعملق التكنولوجيا، تجارب الاستنساخ وأسلحة الدمار الشامل.  فعالم اليوم يمتلك أسلحة تستطيع تدمير 50 عالمًا نظير عالمنا.
4- مناخيًا وكونيًا: تغيُّر المناخ وثُقب الأوزون، الزلازل والبراكين، السيول والفيضانات، زيادة التلوث وظهور وانتشار أوبئة جديدة.  كل هذا يجعلك تخاف من يومك، بل وبالأكثر من غدك.
5- أخلاقيًا: انهيار المبادئ والقيَم، وانتشار المادية والفردية والأنانية والتنافسية، وتفكك الأسرة، وانتشار الفساد والنجاسة والقسوة والشراسة.  فعندما نقرأ وصف البشر في الأيام الأخيرة في تيموثاوس الثانية 3 نرى أننا في عالم مضطرب وهائج ولا يستطيع أن يهدأ.  يشير داود لذلك في المزمور باقتراب الأشرار إليه، لا ليأكلوا معه، بل ليأكلوا لحمه.  ويمتلئ المزمور بمشاهد العنف والقسوة من البشر نحوه، فقد تكلم عن: مضايقين – أعداء – أشرار – شهود زور – نافث ظلم. 


 

هذا هو الخوف الثاني، فاليوم مع تقدم الحضارة لم يتراجع البشر عن هذه الميول العدوانية، فالعالم اليوم مليء بالقسوة والشراسة والقتل أكثر من قبل.  ولهذا يصف الكتاب الناس في شرهم قائلاً: «حنجرتهم قبر مفتوح.  بألسنتهم قد مكروا.  سم الأصلال تحت شفاههم.  وفمهم مملوءٌ لعنة ومرارة.  أرجلهم سريعة إلى سفك الدم.  في طرقهم اغتصاب وسحق.  وطريق السلام لم يعرفوه» (رومية3: 13–17).

 

مثال من الكتاب
خوف أبو المؤمنين وبطل الإيمان


لم يخَف إبراهيم أبو المؤمنين عندما دُعي أن يخرج من أرضه ومن عشيرته وبيت أبيه، بل أطاع وخرج بإيمان وهو لا يعلم إلى أين يأتي.  ولكن عندما تغيرت الظروف وتبدّلت الأوضاع، وحدث جوع في الأرض، واضطر للارتحال والانحدار إلى مصر وجرار في تكوين أصحاحي 12و20، وعندما نظر لسلوكيات البشر من حوله ورأى أن خوف الله غير موجود البتة في تلك الأماكن؛ خاف على نفسه وعلى أسرته؛ ونتيجة خوفه قال عن سارة إنها أخته؛ مما عرّضه لمشكلة عائلية كبيرة.  فقد أُخِذت سارة منه وتعرض لتوبيخ من أبيمالك على ذلك.  لقد كانت أيام عصيبة على رجل الإيمان العظيم إبراهيم وزوجته عندما خاف. 

 

ولكن لماذا خاف إبراهيم؟!
ولماذا نخاف نحن عندما تتغير الظروف؟! 
لقد خاف إبراهيم بسبب ثلاث أمور:

  • الجوع مشكلات اقتصادية
  • الغربة الوحدة والهجرة
  • شر البشر «فيقتلونني بسببك» مشكلات إجتماعية. 


ونحن أيضًا نخاف ونرتعب عندما نرفع عيوننا عن الرب غير المتغير ونضعها على الظروف المتغيرة.  فقد تتغير ظروفنا ماديًا، أو نضطر للسفر والهجرة، أو نرى شر الناس من حولنا؛ فنرتبك ونخاف، وفي طريق خوفنا قد نرتكب أكبر الأخطاء في حياتنا، وفي حق عائلاتنا، كما فعل رجل الله إبراهيم!
لأن  «خَشية (خوف) الإنسان تضع شَرَكًا (فخًّا)، والمتكل على الرب يُرفع» (أمثال29: 25).  أي أن الخوف يجعلنا نقع في فخاخ كثيرة وأخطاء مريرة، ولكن الاتكال على الرب يحفظ قلوبنا من الخوف وأرجلنا من الخطإ.

 

ارفع عينيك عن عالم متغير، وضعهما على إله لا يتغير


مجدي صموئيل